شاحنة من ورق/ وأصابعنا المخضّبة حبرا أحمر
عباس علي موسى
ماذا لو أنّ الحادثة كانت مسرّبة عبر الكتابة، ماذا لو كانت خيالا، ربّما كنّا سنرشح بالألم ذاته!هي إذن حكاية الألم السوريّ؛ الألم المرابض، الألم المهاجر، الألم المقاتل/ المقتول، الألم الجغرافيا، ماذا علينا أن ندوّن والحبر مخضّب بالدم، والحقيقة أكثر إيلاما.لم علينا أن نكتب كلّ هذا الألم؟! أراني أستلّ سيوف أزرعها في خاصرتي، ويداي مخضبة حبرا أحمر، على الألم أن يمضي إذن وعلينا أن نرصده يمرّ إلى جانبنا مكابرا وقدماه مدماة وكأنّه نبيّ نهرَه أبناء بلده.شاحنة الموت (شاحنة النمسا التي باتت معروفة للجميع حيثُ أنّه تم العثور عليها مركونة على قارعة الطريق السريع في النمسا)؛ شاحنة الحالمين بأرض أوربا/ أرض الخلاص الدافئة ليست إلا جزءا من المأساة والتغريبة السوريّة، 71 قصّة تمت بنهاية واحدة، من الصعب عادة أن تجمع هذا الكمّ على قصة مشتركة في الحياة، لكن كم من السهل جمعها على مأساة واحدة وموت واحد.أعرفُ على الأقلّ قصة واحدة من الإحدى والسبعين، الصديق حسين مصطفى، أعرفه حالما، وأعرفه وكأن الابتسامة شامة على وجهه، وكأنّه لا يزالُ في دمشق يجوب حواريها، ويبعثر الجغرافيا بعدها كحجرة نرد.حسين مصطفى هو المفتاح المنكسر في الحكاية التي انتهت في شاحنة الموت، هذه الشاحنة التي عرّت حكومات الديمقراطيات الحديثة، هذه الديمقراطيات التي نتوسّلها لقادم أيّامنا، القصّة مخزية إذن، القصة يندى لها الجبين، فلتخبرونا إذن عنها، أم تريدون أن تقتلوا روح الحقيقة.نحنُ إذن على حدّي الحقيقة، نقف على شِفرتَي سكيّن شاطر، حقيقتنا نحنُ كأصحاب ألمٍ غير متناه، وحقيقة أكثر إيلاما، يخبؤها أولئك الديمقراطيون في جيوب الضحايا المجمّدين في برّاداتهم، إذن الحكاية هناك شاطرة أكثر، وصادمة أكثر.الحقيقة هي إذن ككلّ الوهم الذي يحيط بنا حول مستقبل البلاد والعباد، الحقيقة الأكثر دهاء هي التي لن نحصل عليها إلا هشّة، سنحزمُ البلاد إذن وسنسافرُ بها، أو سنحزمُ ما في البلاد ونتركها مركونة على عواهنها، كهشيم تذروه الريح، أو نبقى فيها كأشجار التوت.مهلا، ثمّة سبعين حكاية أخرى سيسردها آخرون ربّما بطرق أكثر بلاغة من الكتابة.الألم عالٍ، وكأنما ينظر إلينا من شاهق، ونحنُ نرنو وكأنما من سفح، وكأنّه عرفاتُ الألم، وكأننا سنفضي إليه كلّ لحظة.
نشرت في موقع ألف تودي