فروغ فرخزاد برؤية أحمد شاملو 

الشاعر الإيرانية الأشهر فروغ فرخزاد

أحمد شاملو، عن الفارسية: عباس علي موسى

كان شعر فروغ أمراً رائعاً دوماً بالنسبة إليّ، وهذه السمة كافية للتعبيرعن جودة شعرها، وكانت فروغ – كما عرفتها إلى الحدّ الذي يخوّلني للحكم عليها – في شعرها كما في حياتها، مستكشِفة.لم أقع في شعر فروغ قط على أشياء خاصّة، كما لو كانت حياتها على ما يبدو هي نفسها، ما يعني أنّ فروغ لم تكن تستكشِف شيئاً بذاته، ففي شعرها ليست السعادة وحتى العشق بمثابة أشياء يمكن السعي وراءها، حتى في حياتها الخاصة لم تسع قطّ وراء شيء بذاته، لا عن طريق الشعر، ولا عن طريق فيلم، أو بأيّ وسيلة أخرى.لقد عرفتها دوماً بهذه الصورة، وهي تنهي وتكمل رسالتها دوماً بالاستكشاف والبحث، ولم أر فروغ قط وهي تحصل على أي شيء، أو تقنع بشيء.

إذن إثر أيّ شيء كانت تسعى فروغ في شعرها؟هذا بالذات هو ما أراه معبّراً عن عظمة عمل فروغ وأهميته، وأودّ أن أتناولها من هذه الزاوية، وهذا الجانب هو في الحقيقة ما أحبُّه في فروغ.لقد رأيت شخصاً يستكشِف ويبحث ليس إلا، ولكن عمّ كانت تبحث؟ هذا ما لم يكن مهمّا بالنسبة إليها، فهل كانت تبحث عن الإنسانية المطلقة؟ لا! هل كانت تبحث عن العشق ليكون وسيلة لبلوغ السعادة؟ لا! حتى أنّها لا تبحث عن السعادة، فقد رأت كلّ شيء وأحبّت كلّ شيء.

كان من الممكن أن يكون إشراق الشمس موضع تساؤل بالنسبة إليها ومدعاة للوحشة، في الوقت الذي كان فيه كلاهما موجوداً، ولم يكن أيّ أحد موجوداً، هي فقط رأت وأحبّت، لكنّها لم تبحث عن شيء خاصّ في هذه الحياة، ولكن حقّاً، هل عصرنا هو عصر لنبحث عن شيء ونحصل على شيء آخر؟على الأقلّ، لا أتصور أنّها لم تكن تسعى خلف شيء ما، لا أعرف كيف أتفوّه بكلام كهذا، لأنّني نفسي أُعرَف كشاعر.انظر.

أعتقد دوما أنّ الشاعر أعمّ وأكثر حضورا من الفنان التشكيلي والموسيقي وغيره، لأنّي أريد أن أراهم جميعا مختصرين في كلمة “شاعر” فالشاعر دوما إنسان جيّد ورحوم، وبناء على هذا، إذا ما قلنا إنّ فروغ سعت خلف الرحمة والإحسان، بهذه الصورة، فهي يجب أن تذهب إلى المرآة وتنظر إلى ذاتها. هذا البحث والاستكشاف بهذا المعنى ليس بهدف وخطّ معيّن، ربما في الواقع كانت تسعى خلف شيء ما.

ربما كان بحثا عن بطّ، لكن مع ذلك لم يكن اسم البطّ “السعادة” حتى، ربما كانت تبحث عن دمية أو لعبة، أو ربما تسعى خلف حقيقة عظيمة، ولا شيء من هذا يظهر في شعرها، وحياتها – على الأقلّ بالنسبة إليّ – لا يظهر فيها شيء من هذا على الإطلاق، لكن ربما يكون أشخاص أقرب إليها أو أولئك الذين عاشروها عن قرب يعرفون عما كانت تبحث.نحن وبعد أن عرفنا أنّ فروغ، كما يقول عنها إخوان ثالث، “حزنٌ وألم”، وبعد أن عرفناها كجسد حيّ، وكما يقول فيكتور هيغو إنّه؛ أي الجسد وسيلة فقط للإبقاء على الروح على الأرض ليعيش بيننا، فالشخص الذي يرقص – برأيي – لا يعرض خطوط جسده بطرق مختلفة فقط، بل يلقى المديح أيضا. لم يكن بإمكان فروغ أن تؤمن بالروحانية والسعادة خارج الجسد، وربما كانت تبحث عن مزيد من السعادة الجسدية في هذا السياق من الحياة.

بهذه النظرة ما مدى واقعيتها وبصيرتها، ونحن نرى ذلك في شعرها، لكن بذات الطريقة التي تبحث بها راقصة الباليه عن الجمال في الخطوط، وهذه الخطوط في حالاتها المختلفة تلقى المديح، فروغ تبحث في هذه الحياة بطرق مختلفة تمدح الجمال وتظهره.انظر كيف أنّها ابتداء من الحياة وحتى الموت في إحدى قصائدها التي تصف فيها حبيبها، تصف جسد الحبيب، وفي هذه الحالات المختلفة بين قطبي الحياة والموت تقرّر، وتمدح واحدا إثر آخر.

لا يمكننا أن نسعى وراء حبّ كما عهدناه في أدبياتنا وشعرنا عادة؛ أي أنّها لم تكن تسعى وراء مجهول مطلق، ربما يكون بحثها لهذا السبب ما بين حياتنا وموتنا، وأنّ جميع الأشياء المبتذلة في الحياة لا تستطيع أن تكون باعثا للعشق العظيم، والعشق العرفاني.

ربما يكون هذا البحث كونيا، ربما بعد أن رأت فروغ كلّ هذه الوضاعة والعجز اليومي، لم تستطع أن توقن أنّ هذا الجسد هو وعاء لهذه الأشياء العظيمة التي نسميها بالعشق ويدفعنا للبحث عنها بذات النظرة.ربما تريد أن تجد علاقة بين الجسد وهذا المفهوم العظيم، ربما أرادت أن تجد تلك الحقيقة التي هي في نظر الشعراء السابقين الذين أرادوا تصويره بروح وعشق عرفانية.أعتقد أنها وفقت في هذا البحث والاستكشاف إلى حدّ بعيد، صواب مثل هذا، الذي بدون أن يكون ظاهرا لدينا يعني أن نعطيه ونبرز مقصده، نذهب خارج المدينة ونذهب إلى الصحراء إلى جهة أو جهات مختلفة، قد يكون ذلك لأنّنا لم نعلن إلى أين نحن ذاهبون، وما نحن بفاعلين.

لكن ألا يمكن أن يكون هذا الفعل هدفا وغاية في آن؟ إنّه يعني التجوال والتمتع والاستمتاع بالمناظر الطبيعية، من خلال كلمة “الاستكشاف” في شعر فروغ، أحصل على كلّ هذا المعنى.كانت فروغ تبحث وتستكشف، لكنّها حين كانت تبحث كانت تبحث بحجم عين جميلة، بشكل لا يوصف، وفي أغلب الأحيان تعرفنا على شِعرها الأنيق والجميل.في قصيدتها نجد امرأة تتحدث وتحمل سلة بيدها وتذهب للتسوّق كلّ يوم، ماذا يمكن أن يكون شيء أفضل من هذا لتقوله؟هي تعرض لنا كلّ هذا، الأشياء التي تمر أمام أعيننا عادة  ولا نراها. في الحقيقة فإنّ سياحة وبحث فروغ ليست بدون هدف معيّن، بل يمكن أن يكون مثمرا بشكل أفضل، فقط هي لم تقل إلى أيّ مكان ستذهب، ربما من الأفضل أن تصل إلى مكان ما. 

نُشر هذا المقال المترجم في موقع ضفة ثالثة، اضغط الرابط

قراءة المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.