أسماؤنا المستعارة… أيقونات الحرية لقادم الأيام
أسماؤنا المستعارة… أيقونات الحرية لقادم الأيام
عباس علي موسى – 2015
في ساحات القتال تكون الأسماء هي الجزء المقاتل من شخصية الإنسان، لذا فعليه أن يكون اسماً يعبّر عن هذه الشخصية التي تطلق الرصاص وتُقتل في سبيل ما تؤمن به دونما خوف، وبذلك فإنّ الذي يقاتِل ويقتَل، هو الاسم المستعار/ المغوار القابع في شخصيته.
إنّه، الاسم المستعار، الذي ينتخي به المقاتِل حين يقتحم ساحات القتال، وبذلك يرسم ملامح اسمه عبر ندائه للاسم الذي اختاره طوعاً، وكأنّه ينادي الشخص المغوار في داخله، وحين يستشهد يخلعون اسمه عنه، وكأنّها خميرة الشجاعة ولبوسها (يخلع الشهيد سلاحه وعتاده العسكريّ وكذلك اسمه ليلبسه آخر)، وعندما سيطلقون لأجل استشهاده إحدى وعشرين رصاصة، سيكون اسمه قد انفصل حينها عن جسده.
أمّا عن الشهداء الذين يستشهدون دون أن تقام لهم مراسم الشهادة، فيتركون أسمائهم في العراء لتنهشها الذئاب، فتجد فيها طعماً عصيّاً على المجّ، ليمتلأ التراب بأسمائهم، إنّه الخصب الذي سيتركونه على الأرض (ستكون التربة منداة بالأسماء/ أسمائهم)، وحين سيحرث فلاح ما هذه التربة في قادم الأيام سيعثر على جرار مليئة بفوارغ الرصاص، وسيعثر على الأسماء وكأنما غائبة للتو، وعليها آثار مقاومة لاتنتهي.
في مدفن الشهداء تزور أمّ ابنتها الشهيدة، وهي تبكي بحسرة على شاهدة قبرها، إنّها تبكي عليها، على ابنتها التي سمتها بأول رؤيا رأتها قبل أن تلدها بأيام، فيما هي استشهدت باسم آخر عصيّ على البكاء، عصيّ على الخوف من التلاشي بالتراب.
الموتى الذين يموتون بأسمائهم تتلاشى أجسادهم بسرعة عقب أن يدير المشيّعون ظهورهم، لكن وحدهم الشهداء من يعرّشون بأسمائهم سماء المقبرة، وكأن لكلّ منهم قبرين، قبرٌ ببطاقة شخصية، هي التي يبكي عليها المشيّعون وآخر باسم مستعار عصي على الدمع وكأنّه عائد إلى ساحات القتال بلبوس آخر، هي بالضبط من يحملها أحدهم عنه ويمضي وبيده بندقية ومتشحاً باسم آخر.
يمرّ الأطفال بعد ذلك في شوارع بأسماء الشهداء المستعارة، سيقرؤون أناشيد عنهم، وسيسمعون الأغنيات في الشوارع بأسمائهم، وسيجدون المدينة مضاءة بأسمائهم، وفي الساحات العظيمة سيجدون حمامات وأقواس نصر مصنوعة من هذه الأسماء.
وعن مجموعة شهداء استشهدوا، بأجساد غير ذي ملامح، يخلع عليهم أحد المقاتلين أسماء تليق بقاماتهم، ثم يدفنهم على عجل بعد أن يضيف لأجلهم رصاصات أخرى في جعبته ليدفع بها في صدر قاتليهم.
أحدهم واقف أمام المقبرة يصنع لكلّ شهيد أيقونة بأسمائهم المستعارة حتى يكمل مجموعته لأجل القادم من الأيام، لكي يهبها للأطفال كأيقونات في وجه خائنات المستقبل، إنّها ميراث الوقت والتاريخ والتراب لأولئك الأطفال، وحين ستحبلُ الأمهات سيمرّ جامع الأيقونات عليهم وهنّ في مخاض مولود جديد ليخلع عليها اسماً. (لن تلجأ الأمهات بعد الآن إلى الرؤيا، ولن يسموّا أطفالهم إلا بأسماء هذه الأيقونات).
سيمرّ الأطفال بعد ذلك في شوارع بأسماء الشهداء المستعارة، سيقرؤون أناشيد عنهم، وسيسمعون الأغنيات في الشوارع بأسمائهم، وسيجدون المدينة مضاءة بأسمائهم، وفي الساحات العظيمة سيجدون حمامات وأقواس نصر مصنوعة من هذه الأسماء.
سنوثّق شهدائنا بأسمائهم المستعارة تعبيراً عن الحقيقة (أحياناً كثيرة تكون الحقيقة مستعارة).
وستكون ثمة جدائل على شواهدهن/ على أسمائهنّ، ليعلّق عليها الأطفال – في مقبل الأيام – أمانيهم.
سنوثّق شهدائنا بأسمائهم المستعارة تعبيراً عن الحقيقة (أحياناً كثيرة تكون الحقيقة مستعارة).
في قادم الأيام حين سيكون آننا ذاكرتهم الحمراء، سيلجؤون إلى مقبرة الشهداء وسيعلّقون رباطات وشرائط ملوّنة بشواهد الشهداء التي تحمل أسمائهم المستعارة، ليهمسوا بأمنية ما.
وسيكون للأشجار الباسقة في باحة المقبرة ظلّ كظلّ الله على وجه المدينة، كاستعارة على جسد المكان.