نسرين ستوده.. الشجاعة المُعدية
مقال لـ مریم حسین خواه/ صحافية وناشطة حقوقية
ترجمة عن الفارسية: عباس علي موسى
كانت نسرين ستوده من أوائل المحامين الإيرانيين الذين وقفوا ضدّ عمليات الإعدام، وخاصة الأطفال دون الثامنة عشرة، ومع كلّ الخطوط الحمر والمحظورات حاولت وقف عمليات أحكام الإعدام ضدّ موكليها، وكلّما تعرّض موكلوها لخطر الإعدام تجري مقابلات مع وسائل الإعلام من خلال المتابعة القانونية، خطوة بخطوة وتقول ليس علينا أن نسكت. المقال الآتي الذي ننقله عن الفارسية كتبته الصحافية والناشطة الحقوقية مریم حسین خواه، تحت عنوان “نسرین ستوده، شجاعتِ مسری“، ونُشر في موقع “آسو“.
في 2012، حين أطلق سراحها بعد ثلاث سنوات من السجن، كانت نسرين ستوده تقول إنّ الخوف والشجاعة مُعديان، ونحن نستطيع أن نقوم بذلك حول أنفسنا وتنتابنا الشجاعة، وكانت تقول إنّها عندما كانت ذهبت إلى المحكمة مع موكليها، كانت نسرين ستوده قلقة بشأن أنّه يمكن أن يتم اعتقالها دومًا، لكن لا يمكن أن تذهب إلى البحر دون أن تصاب بالبلل.
حين تم الإفراج عنها بعد ثلاث سنوات، لم تنعم نسرين ستوده بالعافية، بل استمرّت في الدفاع عن موكلاتها كما في السابق
حياة المحامية الحقوقية نسرين ستوده بدأت حين باشرت العمل كناشطة سياسيّة مع الجماعات القوميّة الدينية، وحتى تحوّلها إلى الصحافة والكتابة عن حقوق المرأة وحقوق المتّهمين، وبعدها كناشطة حقوقية، ثم عهدت إلى نفسها الدفاع عن الناشطين السياسيين والمدنيين والأطفال المعرّضين لأحكام الإعدام، فهي شهادة واضحة على الشجاعة، التي تجتاز حتى جدران السجن إلى خارجها وتمنح الآخرين الشجاعة.
اقرأ أيضا:
بالنسبة لي صورة نسرين ستوده هي هناك حيث أضربت عن الطعام دفاعًا عن ابنتها البالغة من العمر 12 عامًا لرفع قرار منع السفر عنها، هناك خارج مبنى المحكمة ترفع يديها اعتراضًا على الأصفاد، وبذات اليدين تعانق زوجها، لأنّها وبعد خروجها من السجن ومعارضتها لحكم منعها من مزاولة عملها في المحاماة لعشرين عامًا، اعتصمت أمام مبنى نقابة المحامين، وكلّ يوم كانت ترفع لافتة (حقّ العمل وحقّ المعارضة) تقف هناك حتى تكسر هذه الأحكام، فهي رمز للمرأة التي لا تحجِم عن انتهاك الحقوق وتثبت شجاعتها مع كلّ خطوة تتخذها.
تتبدّى شجاعة نسرين ستوده في أنّها وبعد أن تم الإفراج عنها، وبعد كلّ الصدمات التي انتابتها وتحمّلتها هي وأسرتها في السجن لثلاث سنوات، ولم تنعم بلباس العافية، استمرّت في الدفاع عن موكلاتها كما في السابق، ولم تمتنع نسرين ستوده عن تقديم التصريحات والمواقف الواضحة، ومع وجود كلّ الحظر والمنع لمعارضة الحجاب الإلزامي، كانت تظهر دون حجاب أمام الكاميرات، فبعد مصير “فتيات شارع الثورة” تولّت الدفاع عن الفتيات المعترضات على الحجاب، وبعد أن تم اعتقالها مرة ثانية دخلت إلى قاعة السجن وهي تؤكد مرة أخرى “أنا أعترض على الحجاب الإلزامي”.
تجربتي الشخصية
عن قرب وبناء على تجربتي الشخصية التي أنظر بها إلى نسرين ستوده كما في جزء من ذاكرتي، وحيث أنّ لديّ صورة واضحة للأيام الميؤوسة والمرعبة التي ستواجهها؛ أولى تصوراتي عنها، هي جهودها لإنقاذ موكلاتها دون سنّ الثامنة عشرة من العصي والهراوات وكأنّها في السنوات الأولى لعقد الثمانينات.
كانت نسرين ستوده من أوائل المحامين الذين وقفوا ضدّ عمليات الإعدام، وخاصة الأطفال دون الثامنة عشرة، ومع كلّ الخطوط الحمر والمحظورات حاولت نسرين ستوده وقف عمليات أحكام الإعدام ضدّ موكليها، وكلّما تعرّض موكلوها لخطر الإعدام تجري مقابلات مع وسائل الإعلام من خلال المتابعة القانونية، خطوة بخطوة وتقول ليس علينا أن نسكت.
كنتُ الصحفية التي تتابع الأخبار، لكن لمرات ومرات كانت نسرين ستوده تتصل بي وتقول، موكلي الذي هو دون الثامنة عشرة معرّض للإعدام، وتم اعتقال موكلي الفلاني، وموكلي الفلاني أضرب عن الطعام في السجن، و… ونحتاج لتغطية إعلاميّة. بعد ذلك وبصوت هادئ وحنون تعيد رصف الكلمات لأتمكن من إرسال مسودة المعلومات هذه إلى مصمّم الصحيفة التي ستنشره.
لقد كانت نسرين ستوده صحفية وكانت تعرف جيدًا كيف تقول الخبر بطريقة صحفية، ومتى تلجأ لوسائل الإعلام، ولم تقل “لا” أبدًا لأجل أي مقابلة، وكانت تعتقد أنّه يجب أن نتحدث ونكتب حول انتهاكات حقوق الإنسان حتى يسمع الجميع.
لاحقًا، ومع البدء بالعمل لـ”حملة المليون توقيع لتغيير القوانين التمييزية” ومع شدّة الاعتقالات والاستدعاءات لناشطات حقوق المرأة، أخذت نسرين ستوده على عاتقها الدفاع عن الكثيرات من أعضاء هذه الحملة، ولم تكن نسرين ستوده محاميتهم فقط، بل كانت إلى جانب موكليها كمثل أمٍّ أُسِر أبناؤها، وترمي بنفسها في الماء والنار لأجلهم، وبحماس تذهب نسرين ستوده وتجيء لأجلهم، وتذهب إلى المحكمة، وتجري اللقاءات مع وسائل الإعلام التي تستطيع إيصال وإعلاء صوتها، إذ لم تكن صوتًا فقط، كانت مسالمة وذات قلب قوي أيضًا.
كان موعد محاكمتي بعد الإفراج المؤقت عنّي هو يوم الأربعاء، وفي يوم الإثنين اللاحق، كان مقرّرًا أن يجيء ابن نسرين نيما إلى الدنيا حيث إنّها ستلد. فكّرت أني يجب أن أبحث عن محامٍ آخر، أو أمضي إلى المحاكمة لوحدي. امرأة في شهرها الأخير ستلد بعد ستة أيام لن تستطيع الحضور إلى المحاكمة، لكن نسرين ستوده قالت إنّها ستأتي، وفي الليلة التي سبقت المحاكمة هاتفتني لأتحضّر للمحاكمة.
إنّ رؤيتها أمام درج المحكمة الثورية كان كافية لتذكّرني بمدى الرعب من هذا المبنى الملعون، وأيام محاكمتي واستجوابي وأصدقائي أيضًا. السيّدة المحامية نسرين ستوده ارتقت الأدراج درجةً درجةً بحقيبتها الجلد وحجابها الساتان، والمانطو حتى الركبة، فكان هذا ما يبعث لي الأمان. وعندما قالوا لنا إنّ القاضي ليس هنا، فاذهبوا وعودوا وقت الظهر، قلتُ هذا أفضل، عندها ذهبتْ نسرين ستوده واستراحتْ وهي على هذه الحالة، عندها تعرّفت بنسرين، وقّعت شيئًا وقالت، إذًا نعود ظهرًا.
حين جئت لأقول لها كم هو جيد لو يتم التأجيل ليوم آخر، قالت نسرين ستوده إنّها ذاهبة لمتابعة قضيّة صغرا، هل تأتين معي أو تذهبين وفي الظهر تعودين إلى ذات المكان؟ ذهبت معها، وطيلة الطريق كانت تحكي لي قضية صغرا ذات الثلاثة عشرة عاما والتي اتهمت بقتل ولد سيّدها وهو بعمر التاسعة (حيث كانت تعمل خادمة لديهم)، وكانت قد بلغت في تلك الأيام 31 من عمرها، هذه القضية مليئة بالغموض، وأصلًا هي لم تقم بالقتل، وأنا قلقة بشأنها، وأخشى أن تقطع الولادة قضية صغرا. لم أكن أنا وصغرا فقط، بل كان هناك العديدون من الذين تتابعهم نسرين حتى الأيام الأخيرة من حملها.
في اليوم التالي لقضيتي كان على نسرين ستوده أن تمضي إلى جنوب طهران، وعندما سألتها أن تستريح على الأقلّ لأيام، أجابتني: “هل تعرفين منذ متى وهذه المرأة تسعى وراء طلاقها؟ وإن جرى تأجيل هذه الجلسة، فيجب أن تنتظر لفترة طويلة، ولم يبق لديها طاقة لتتحمّل أكثر. يجب أن أذهب لتحصل على طلاقها وتتخلّص منه”.
إذًا بالنسبة لي لم يبد على وجهها أي اضطراب، اشترت نسرين ستوده عصير فواكه؛ أوصلتني إلى المنزل، وذهبت لمتابعة قضية موكل آخر، والتي هي حتما مثلي ومثل صغرا لن تتقاضى منه شيئا، وأرادت فقط أن تكون إلى جانبنا لتطمئن على سير العدالة التي لم نكن نحصل عليها.
تسرين ستوده رمز للنساء والرجال الذين لا يُطفئ تعرّضهم للتهديد والاعتقال والتعذيب والاستدعاءات المتكرّرة صوتَهم العنيف
الآن، وبعد 10 سنوات عادت نسرين ستوده إلى خلف الجدران العالية للسجن، وجرمها مثل جميع الاعتقالات السابقة، حيث لا أدلة حولها، فجهدها الذي لا نهاية له والذي تقوم به بلا كلل هو الدفاع عن الموكلين الذين لا صوت لهم ليصرخوا، بحيث تم إنكاره بدون دعم محامين كنسرين.
في كلّ السنوات التي عرفتها عن قرب أو بعد، كانت نسرين ستوده رمزًا للشجاعة التي يُقال عنها بأنّها معدية. إنّها رمز للنساء والرجال الذين لا يُطفئ تعرّضهم للتهديد والاعتقال والتعذيب والاستدعاءات المتكرّرة صوتَهم العنيف، ويمضون في الدروب الوعرة المعتمة الصعبة، وتذكّرنا بأن لا نخاف ولا ندع صوتنا يختنق في حنجرتنا.