كورونا وكيهان كلهر و”بوف كور”
حين بدأت بقراءة رواية البومة العمياء أو “بوف كور” لصادق هدايت كانت الساعة بحدود الثالثة قبل الفجر، لا أعرف لم اخترت قراءة هذه الرواية في حال كهذه، وأنا الذي ظللت لخمسة عشر يوما أصارع فيروس كورونا الذي زار جسدي فأنهكه.
منذ أن أصبت بهذا الفيروس “كورونا” وأنا مُنهك القوى لأيام وليال عديدة، لدرجة لم أكن أقوى معه على قراءة شيء أو مشاهدة فيلم ما، فكّرت في قراءة البومة العمياء لأكثر من مرة، وبحثت عن نسخة ورقية لها كنت قد طبعتها بطابعتي الخاصة، لكني لم أظفر بها على الرغم من أنني أنفقت خمسة عشرة دقيقة من الوقت بجسدي المنهك عليها، وكنت قد بدأتُ بالتعافي رويدا رويدا، وصارت لديّ قدرة على القراءة ومشاهدة الأفلام.
ولأنني أؤمن أنّ كثرة الحديث عن كورونا في جميع المنابر وبخاصة الكتابات عنها قد أفقد رغبتي في الكتابة – حتى بفرادة – عنها فقد آثرت أن أحتفظ بتجربتي الأليمة الخاصّة بكورونا وأضعها في زاوية معميّة من الذاكرة، أستدعيها حين ينساها الناس.
كورونا والبومة العمياء
لكن ما الجامع بين كورونا والبومة العمياء؟ من السهولة الإجابة على هذا السؤال، فالحالة البائسة التي ينقلها هدايت في روايته تعكس وإن بأشكال مختلفة حالات الخواء التي يمنّيكَ بها الفيروس، وبخاصة تلك العزلة الاختياريّة والرغبة في الابتعاد عن أجساد البشر حتى أولئك الذين يجمعك بهم لحم ودم.
بدأت القراءة بعد أن قمت بتشغيل موسيقى السي تار بعزف كيهان كلهر الذي آثرت صوت آلته لتصاحبني في رحلة القراءة التي أدركتُ أنّها لن تكون سهلة.
إنّ الظروف التي تمرّ بها البلاد “سوريا” وأحاديث القتل اليومية والاغتيالات، مُضافا إليها الموجة الثالثة لفيروس كورونا الذي حصد حتى الآن حياة العشرات في أقل من شهر يجعل من الخواء الذي مرّ بها بطل هدايت مثالا جديرا بالمعايشة والقراءة.
بدأت القراءة بعد أن قمت بتشغيل موسيقى السي تار بعزف كيهان كلهر الذي آثرت صوت آلته لتصاحبني في رحلة القراءة التي أدركتُ أنّها لن تكون سهلة.
إذن فإنّ ثلاثية القراءة والموسيقى وجسدي الذي يتماثل للمعافاة من كورونا كانت قد رسمت هذا الليل، حتى انبلج معه الفجر وتناهي إلى سمعي مع انتهائي للقراءة هديل الحمائم وصوت كيهان كلهر في أحد الحفلات وهو يغني، وهي المرة الأولى التي أسمعه فيها مُغنِّيا.
لكن الكاف في المفردات الثلاث (كورونا وكيهان كلهر و”بوف كور”) هي رموز تصبغ شرودي الآن، وهي طلاسمي حتى أضع عن نفسي أوزار هذا الفيروس وأستعيد طاقة الحياة من جديد.
إذن كانت القراءة في جلسة واحدة وبروح واحدة تجاذبتني فيه أرواح الرواية ودياجير الظلام وتباشير الصباح وخيوط الموسيقى تلفني في كلّ ذلك، كانت جلسة واحدة للرواية، لدرجة أنّني لم أنتبه لرائحة احتراق الكمامات التي كنت قد نقعتها في ماء مع مسحوق الغسيل ووضعتها على النار، تبخّر الماء واحترقت اثنان من الكمامات. آه! يبدو أنني لم أستعد حاسّة الشمّ جيّدا بعد؟! أو ربما أخذتني الرواية أبعد ما ظننتُ؟!
لكن الكاف في المفردات الثلاث (كورونا وكيهان كلهر و”بوف كور”) هي رموز تصبغ شرودي الآن، وهي طلاسمي حتى أضع عن نفسي أوزار هذا الفيروس وأستعيد طاقة الحياة من جديد.
أعدت إلى ذهني الترابط بين البومة واحتراق كماماتك ..
وقد كنت تناسيت خرافات التطير ..
لكنها كورونا قلبت مقاييس العالم ..ومقاييسنا
هي كذلك، تتركنا نهبا للريح…دمتِ بألق