الحجاب في السينما الإيرانية وحيل المخرجين للتخلّص منه
پوریا ماهرویان
عن الفارسية: عباس علي موسى
نقل كيانوش عياري مخرج سينمائي إيراني، حيال ما حدث مع فيلمه المشارك في مسابقة مهرجان فجر السينمائي بأنّه “طبيعي جدا ومتوقّع”.
(الأريكة) هو أحد أفلامه، والذي تم منعه من العرض والمشاركة في مهرجان فجر السينمائي الخامس والثلاثين للأفلام، وذلك بسبب حقيقة أنّ الممثلات لا يرتدين الحجاب ويضعون شعرا مستعارا أمام الكاميرا.
قال عياري في حديث للموقع الإخباري “سينما سينما”: (كنتُ أعلم من البداية أنّ الفيلم لن يتم اختياره للجائزة، لأنّ ممثلاتنا لا يرتدين الحجاب)، وقال إنّ الممثلات الست في فيلمه قد حلقوا شعرهن بدرجة أربعة، وفي نهاية مشاهد الفيلم يرتدون الشعر المستعار وليس لديهنّ أغطية خاصة.
قال السيد عياري من الآن فصاعدا لن أدع الممثلات في أفلامه يضعن الحجاب أثناء خلواتهنّ أو مع حضور شخصيات من المحارم في الفيلم.
من بين المخاوف الرئيسية للمخرجين والمنتجين الإيرانيين مسألة وضع الحجاب للشخصيات من النساء في السينما أثناء خلواتهنّ أو بحضور محرم، وهذه المخاوف قائمة منذ وضع الحجاب القسري إبان الثورة الإسلامية.
عدد من الأفلام الإيرانية تم إنجازها إبّان الثورة بعام أو عامين، والتي لم يكن الحجاب قد ألزم بعد، فقد تم صناعة الأفلام بصيغة ما قبل الثورة، لكن عندما تم إعداده للعرض فإنّ الحجاب كان الخط الأحمر للسينما الإيرانية، ولذات السبب فقد تمّ إيقاف أفلام عديدة عن العرض من مثل فيلم (مرگ یزدگرد/ موت يزدجرد).
يقول عدد من المخرجين الإيرانيين أنّه ليس من المعقول بالنسبة للمشاهد أن تنام المرأة وهي محجّبة أو أن تكون محجبة حجابا كاملا بحضور زوجها أو والدها وهي في المنزل.
تصبح هذه القضية أكثر إثارة للجدل عندما يتعلّق الأمر بالقصة التي تدور أحداثها خارج المجتمع الإيراني المعاصر في مرحلة ما قبل الثورة مثلا أو في حقبة تاريخية سابقة، أو حتى في مكان خارج إيران.
القبعة بدلا من الحجاب
كانت إحدى المحاولات الأولى لوضع الحجاب للشخصيات من النساء في المسلسل التلفزيوني الإيراني (هزار دستان/ ألف قصة) من إخراج علي حاتمي والذي بدأه قبل أن يتم فرض الحجاب في إيران.
ومع ذلك فقد تم تصوير الجزء الأكبر من هذه السلسلة التلفزيونية التاريخية التي يعود تاريخها إلى 1941، وفي أوائل الثمانينات 1981 تم تصويره حين كان الحجاب إلزاميا.
الشخصيات الرئيسية في هذا المسلسل التي من المقرر عرضها دون حجاب وضعن القبعات، وبعض الشخصيات الثانوية وضعن الشعر المستعار والتي تعدّ بمثابة حجاب أسفل هذا الشعر.
وبالنظر إلى حقيقة أنّ عددا كبيرا من أفلام السنوات الأولى بعد الثورة في تناولها حقبة حكم الشاه، فقد تم استخدام القبعة للممثلات بكثرة.
إنّ استخدام القبعة بدلا من الحجاب الذي كان في الواقع تمهيدا للتحايل والذي يتم اعتماده حتى الآن حيث تم استخدامه في البداية للأفلام التاريخية لقصص ما قبل الثورة.
وأحدث الأمثلة على ذلك التمهيد هو مسلسل شهرزاد ومسلسل (معماى شاه/ غضب الملك)، والتي استخدمت في بعض أجزاء شهرزاد الشعر المستعار أسفل القبعة.
الرجال في أداور النساء
في السنوات الأولى من دخول المسرح الغربي إلى إيران تم تبديل أدوار النساء بممثلين رجال، مع لبس فساتين نسائية وترقيق أصواتهم، حيث كان يدعى هؤلاء الممثلون وهذا الدور بـ (زنپوش/ Drag Queen).
بعد الثورة الإسلامية والقيود الشرعية والعرفية ظهرت عوائق أمام تجسيد دور المرأة، وأثير مرة أخرى موضوع مشاركة الممثلين الرجال الذين يؤدون دور النساء “زنپوش”، لكن هذه المرة بهدف مختلف.
على الرغم من وجود ممثلين يؤدون أدوار النساء في السينما قبل الثورة وفي السينما العالمية، إلا أنّ أسباب لعب الرجال في دور النساء في السينما بعد الثورة كان مختلفا، وأهمها الحجاب والاحتكاك مع الرجال.
في المرة الأولى وفي فيلم إيراني مهمّ ما بعد الثورة يؤدي رجل الدور الرئيس لامرأة في فيلم “دستفروش/ بائع متجول” من إخراج محسن مخملباف في سنة 1987.
في أحد المشاهد الثلاث يصوّر مخملباف المرأة العجوز بدون حجاب حيث أدى دورها محمود بصيري.
قال السيد مخملباف لـ بي بي سي فارسي، أنّه ونظرا لصعوبة الدور لم يكن بالإمكان أن تقوم بهذا الدور امرأة في ذلك السن، لكنه قال أنّه بالإضافة إلى هذا الإصرار، فإنّه أصرّ على أن تخرج الشخصية بدون حجاب، لذا لم يكن من خيار سوى ترك رجل يؤدي هذا الدور.
الشخصية الأكثر شهرة من الرجال مؤدي دور النساء في السينما الإيرانية في فيلم ( آدم برفی/ رجل الثلج) من إخراج مير باقري، حيث يلعب أكبر عبي أكثر من نصف الفيلم بلباس ومكياج وصوت نسائي.
حضور هذه الشخصية مع الكثير من المكياج والغنج كانا أهمّ العوامل لتوقيف الفيلم لسنوات عدة، لكنّه كان عاملا أيضا لجعله الفيلم الأكثر مبيعا في تاريخ السينما الإيرانية.
لعب أكبر عبدي دور المرأة في عدد من الأفلام الأخرى في أفلام مثل: (خوابم میآید/ النوم يداهمني) من إخراج رضا عطاران (خوابزدهها/ النعاس) من إخراج فريدون جيراني، حيث أنّه في الدورين يلعب دور امرأة مسنّة، والقيود المفروضة عادة أمام الممثلات ليست عائقا أمامه.
وبالإضافة إلى عدم وجود الحجاب الإلزامي الذي تجبر على ارتدائه الممثلات، فإنّ الاحتكاك مع الممثلين من الرجال المحرمين كان أيضا عاملا ليلعب أدوار النساء في مناسبات عديدة.
حلاقة الشعر
وفقا لفتاوي المرجعيات الدينية الشيعية فإنّ رؤية شعر المرأة من قبل رجل غير محرم يعدّ حراما، ووفقا لهذه الفتوى التي تجمع عليه جميع المراجع الدينية الشيعية تقريبا، فإنّ المخرجين قاموا بدفع الممثلات إلى حلاقة شعورهنّ لئلا يضطروا للبس الحجاب، وعلى الرغم من حقيقة أنّ هذه الأفلام تسببت في الكثير من ردود الأفعال في الدوائر الدينية المحافظة، لكنّها عرضت في النهاية.
كان (سُرب/ الرصاص) أحد الأفلام الأولى التي تظهر بها ممثلة حليقة الشعر. تلعب فريماه فرجامي في فيلم مسعود كيميايي هذا دور امرأة مريضة بالتيفوئيد حيث يجب عليها أن تحلق شعرها.
قال جلال معيريان في حوار أنّه في الوقت الذي اقترح فيه على كيميايي أنّه قادر على صنع جلد للرأس بحيث تبدو وكأنّها رأس حليق، أراد كيميايي أن تتم حلاقة الشعر أمام الكاميرا.
بعد عدة سنوات ظهرت ممثلة بدون حجاب في فيلم (قرنطینه/ حجر صحي) من إخراج منوچهر هادي الذي أثار جدلا، حيث تفقد شخصية امرأة فيها شعرها نتيجة مرضها بالسرطان والعلاج الكيميائي وتظهر لذلك في معظم مشاهد الفيلم بدون حجاب.
حدث ذلك في فيلم (شیفتگی/ وَلَه) من إخراج علي عصمتي حيث استفاد من “القبعة الرقمية” لـ رويا تيموريان الممثلة في الفيلم، حيث تبدو حليقة الشعر أمام الكاميرا.
أيضا في أحد مشاهد فيلم (ده/ عشرة) لـ عباس كيارستمي، أحد الأشخاص في السيارة امرأة حليقة الشعر وتقول أنّ فقدانها لشعرها كان صعبا وبتشجيع من شخصية محجّبة في الفيلم تقوم بالكشف عن رأسها، مشهد تسبّب بمنع عرض الفيلم من قبل وزارة الإرشاد.
بعد عرض الفيلم كانت ردود بعض المرجعيات الدينية من مثل آية الله علي سيستاني وناصر مكارم شيرازي أنّهم أفتوا بأنّ حكم الممثلة حليقة الشعر أو بدون حجاب هو ذاته، وله حكم خلع الحجاب، لأنّ هناك ما يشير إلى الشعر.
الشعر المستعار
معظم المرجعيات الدينية الشيعية من مثل آية الله علي خامنئي وآيت الله سيستاني تقول بعدم جواز وضع الشعر المستعار للممثلات.
ومع ذلك فإنّ المسؤولين في وزارة الإرشاد لديهم آراء متفاوتة في أوقات مختلفة حيال هذه القضية.
خلال هذه السنوات دأبت السلطات الثقافية في الجمهورية الإسلامية على القول بأنّ الشعر المستعار لا يمكن أن يكون وسيلة تحايل على الحجاب، لكن عدد الأفلام التي استخدم فيها الشعر المستعار بدل الحجاب لم يكن قليلا.
يذكر محسن مخملباف لـ بي بي سي أنّه في فيلم ناصر الدين شاه، قام بإعادة دور الشخصية السينمائية الفتاة لير وأن تخلع فاطمة معتمدآريا الشعر المستعار، لكنه قال أنّه ولأجل الحصول على إذن بالعرض اضطر أن يعيد الشعر المستعار لـ معتمدآريا وتحته الحجاب.
في مسلسل يوسف الصدّيق من إخراج فرج الله سلحشور تم اختيار شعور مستعارة بحيث تبدو تماما أنّها صناعية، ومع ذلك فإنّ استخدام هذا الشعر المستعار لا يزال قائما على فتوى الأئمة بمن فيهم آية الله خامنئي، وهي تبدو “إشكالية”.
أخيرا في فيلم (آبنبات چوبی/ مصّاصة) كتب في بداية الفيلم أنّه تم استخدام الشعر المستعار لاثنين من الممثلات، وعرض هذا الفيلم دون مشاكل.
ومع ذلك فإنّ الشعر المستعار ذاته حال دون مشاركة فيلم (کاناپه/ الأريكة) لـ كيانوش عياري.
الكتابة والسيناريو
حاول العديد من المخرجين تجنّب إظهار الحجاب في المنزل أو مشاهد تقبيل من مثل احتضان أم لابنها بعد سنوات من الغياب، فيغيرون السيناريو بحيث لا يحتاجون إلى هذه المشاهد أو يقتطعونها لئلا تبدو المشاهد غير طبيعية.
من المشاهد الأكثر شهرة، مشهد مینو فرشچي وهي ممثلة في الفيلم (بانوی اردیبهشت/ سيدات مايو- أيار) للمخرج رخشان بني اعتماد، حيث تدخل غرفة نومها وتبدو وهي محجّبة ويتم قطع المشهد حينها.
يقول عباس كيارستمي أنّه حين كان يخرج أفلامه داخل إيران تعلّم كيفية التخلّص من الرقابة، فكتب سيناريوهات بحيث لا تظهر فيه المرأة في المنزل أو تكون مع زوجها وهي محجّبة.
وكان قد قال في حوار مع بي بي سي فارسي: (في أيّ من أفلامي لا ترى امرأة إلى جانب زوجها أو مع أبنائها وهي محجّبة، ليس لأني ضد الحجاب، فالحجاب على كل حال هو عرف اجتماعي في بلادنا، وإن كان بقناعة أو لا فمراعاته واجبة، وليس لدي أي اعتراض عليه)، ومع ذلك تتهمه الرقابة بعدم احترام الحجاب في أفلامه.
قيل له أنّ هناك أربعة مشاهد بدون حجاب في فيلم (ده/ عشرة) وفي حذفها سيتم إجازتها للعرض العام، لكن هذه التعديلات التي تطال أربع أو خمس دقائق تبعها رد فعل كيارستمي، الذي قال في بيان حول التغييرات المفترضة تطبيقها على فيلمه (مع التغييرات التي سيتم إجراؤها سيكون هذا الفيلم ستة ولن يكون عشرة).
الممثلات الأجنبيات
في أواخر الثمانينات صارت صناعة بعض الأفلام خارج إيران أمرا شائعا، حيث يتم استخدام الممثلات الأجنبيات، ومع ذلك يجب احترام قيود الحجاب نفسها بالنسبة إلى الممثلات الأجنبيات اللواتي يمثلن في الأفلام الإيرانية.
في السنوات الأخيرة سمح على ما يبدو للممثلات أن يقمن بالتمثيل دون حجاب شريطة أن يكنّ غير مسلمات وأن يتم إخراج الفيلم خارج إيران.
واحدة من أولى القضايا المثيرة للجدل فيلم كتاب القانون من إخراج مازيار ميري الذي أخرجه في العام 1999.
في هذا الفيلم يذهب پرویز پرستویي بدور عامل إيراني في مهمة إلى لبنان، ويقع في حبّ فتاة مسيحية، الفتاة غير المحجبة في لبنان، وتصير مسلمة بزواجها من الرجل الإيراني وتذهب إلى لبنان وتضع الحجاب هناك.
أمثلة على الأفلام الأخرى التي يكون فيها رجل إيراني في الخارج ويعشق فناة غير إيرانية، وفي السنوات اللاحقة تكرّرت هذه الحالات، حيث أنّ الشخصيات النسائية حين تكون في الخارج فهي تظهر دون حجاب، ويمكن الإشارة إلى فيلم (سالوادور نيستم/ أنا لست سلفادور) و(سلام بمبئی/ مرحبا بومباي) الذين تم إخراجهم في السنة الفائتة.
حالة أخرى، حين لعبت ممثلة أجنبية مؤخرا دورا بدون حجاب في فيلم إيراني، وكان ذلك في فيلم (استرداد/ استعادة) انتاج 2011 ومن إخراج علي غفاري.
والفرق بين هذا الفيلم والأفلام الأخرى الشبيهة به، هو أنّ الدور هو لأحد الشخصيات الإيرانية، لكن المخرج وللتخلّص من القبّعات والشعر المستعار استعان بالممثلة إليسا كاچر البيلاروسية.
المصدر: (https://goo.gl/mdwY63)