كيف تشكّلت الحركة النسوية في إيران ما قبل الثورة الإسلامية؟
دراسة من إعداد: مريم حسين خواه
كيف تشكّلت الحركة النسوية في إيران واستطاعت الخروج بها من “الحرملك” إلى المدارس والجامعات؟ وكيف حصلت النساء في إيران على حقّ التصويت، ولماذا خسرن كلّ الإنجازات دفعة واحدة؟
كيف تشكّلت الحركة النسوية في إيران واستطاعت الخروج بها من “الحرملك” إلى المدارس والجامعات؟ وكيف حصلت النساء في إيران على حقّ التصويت، ولماذا خسرن كلّ الإنجازات دفعة واحدة بعد الفوز بتغيير بعض قواعد عدم المساواة؟
في هذا المقال، من خلال مراجعة تاريخ الحركة النسائية في إيران، نبحث عن إجابات لهذه الأسئلة.
لقد أُخفيت وحُبست المرأة في الخمار والمنزل، وأبعِدت من أيّ علم ومعرفة، ولم تشارك في العمل خارج المنزل، حتى أنّ إطلاق اسمها أيضاً يجلب العار، حيث تكنّى باسم عائلتها أو تُدعى باسم ابنها. ليست لها وجهة نظر أو حقّ من حقوق الإنسان، وجميع الحقوق منحها لمصلحة الرجال. هذه هي بعض الأمور التي تعبّر عن وضع المرأة في أعقاب الثورة الدستورية، التي حصلت مطلع القرن العشرين والتي كانت بادرة تغيير اجتماعي وثقافي كبير في فارس، وقد كتبت عنها مطوّلاً الإيرانية أفضل وزيري، وكانت وزيري من أوائل معلّمات مدارس البنات.
بدأت الحركات النسوية في إيران بعد النضالات الوطنية في المرحلة الدستورية، ومن طريق المطبوعات والجمعيات النسائية، بخطوات خجولة وهزيلة في الحراك النسوي في إيران، حيث طالبت النساء بتغيير الواقع بناء على أربعة مطالب أساسية: تعليم المرأة، وتغيير قوانين الأسرة، والتصويت والمشاركة السياسية، وخلع الحجاب.
وكانت سهولة وصول المرأة إلى الخدمات الصحيّة والطبية، وتعزيز عمل المرأة ونشاطها الاقتصادي وتيسيرهما، وتغيير مكانتها الدنيا في الأسرة والمجتمع، من بين القضايا الأخرى المُدرجة في جدول أعمال الناشطات النسويات في السنوات التي أعقبت الثورة الدستورية.
تعليم البنات من أكبر نجاحات الحركة النسائية
كان إنشاء مدارس البنات وحقّ التعليم للمرأة، من بين المطالب الأكثر إلحاحاً لدى الناشطات النسويات في الحقبة الدستورية التي بدأت عام 1905. في السنوات الأولى بعد انتصار الثورة الدستورية، سعت مجموعات مختلفة من الناشطات النسويات إلى إنشاء مدارس للبنات وافتتاح صفوف لتعليم كبار السن “محو الأمية” (النساء المحافظات كانت غايتهن من وراء التعليم هو “تربية وأمومة متعلّمة”، أما النسويات فاعتبرن أنّ تعلّم المرأة هو في الأساس وفي نهاية الأمر “لصحوة النساء”).
“حين أرادت بعضهنّ الكلام، قال الشيوخ أنتِ في النهاية امرأة”
في المرحلة القاجارية فقط، كان بإمكان البنات تعلّم مبادئ القراءة والكتابة وقراءة القرآن حتى سنّ السابعة، وبعضهنّ كنّ يتعلمن إلى جانب آبائهنّ. كانت المدارس القليلة التي أنشأها المبشّرون الأميركيون والأوربيون، والتي كانت مخصّصة لتعليم بنات الأقليّات، وفقط بعد عام 1873 كان قد تم السماح بتسجيل البنات المسلمات فيه. وكان التعليم في هذه المدارس، مخصّصاً لعائلات الأشراف والطبقات العليا، لكن مع استمرار وإلى جانب تعليم البنات بالطرائق التقليدية.
بعد 30 عاماً من ذلك الوقت وبالتزامن مع الثورة الدستورية، افتتحت أولى مدارس البنات، واحدة تلو الأخرى في طهران والمدن الأخرى، لكن هذا المطلب لم يكن من السهل تحقيقه؛ فالناشطات النسويات قاومن ووقفن بوجه الضغوط وتهديدات المعارضين الدينيين والمعارضة التقليديّة، وسعين من دون هوادة إلى انتشار مدارس البنات، حيث وضعن هذا الهدف في جدول أعمالهن. هؤلاء الناشطات رفعن أصواتهن في وجه المعارضين وقلن لهم: “كلّ ما صممتَ أذنيك عن سماعه، كل ما كان يمكنك القيام به ولم تقم به، ومهما كانت درجة المنع والعناد والاعتراض على تعليم البنات… بالدرجة ذاتها سنواصل ونتابع نضالنا ونسعى وراء مطالبنا”.
كان الاحتفال الجماعي عام 1907 بطهران، وكان من بنود القرارات والتوصيات يومها، مطلب تأسيس مدارس البنات، وبند آخر هو “إلغاء المهور الغالية” وصرف أموال المهور الغالية لتعليم البنات وتربيتهن، وكانت هذه أهم “النضالات”.
نظّمت النساء مؤتمرات ما بين عامي 1911 و1912 لتنسيق أنشطة مدارس البنات الجديدة. وسعين إلى تعميم هذه المطالب، ورفع عرائض ومطالبات للبرلمان والحكومة، للحصول على موافقات لتأسيس مدارس جديدة. كما كتبن مقالات في الصحف، ووزّعن رسائل احتجاجية جماعية، وخاطبن رجال الدين الدستوريين المعارضين تعليم النساء في محاولة لإقناعهم.
في إحدى المقالات في جريدة “الحبل المتين” كتبت إحدى النساء تحت عنوان (امضا محفوظ) رداً على الشيخ فضل الله نوري الذي اعتبر تعليم البنات القراءة والكتابة مخالفاً للدين: “إذا كان مقصد حضرة السيّد من هذا الكلام أنّ على جماعة النساء أن لا يتعلّمن شيئاً مثل حيوان بلا قرون ولا ذيل، حتى يفارقن هذه الدنيا، وهذا أمر الله. أخبرنا أين قال الله وأولياؤه هذا الكلام، وأين ورد هذا في كلام الله والأحاديث؟ وإن كان هذا المطلب صحيحاً، فما السبب في عدم التفات الأولياء والأنبياء إلى جنس النساء، واللواتي خُلقن في هيئة إنسان، ما يتجاوز الخلق الحيواني بوجود الحقائق الإنسانية من التحريم والنهي والامتثال للأوامر، وعلى رغم ذلك لماذا يتعيّن عليها القيام بواجبات فوق طاقتها، وطلب العبادة والأخلاق وإطاعة الزوج والأب منها. ولم يعدّ الرجال أعزة مثلاً؟”.
كان تعزيز الروابط الأسرية، والنهوض بالمجتمع، وتربية الأطفال من قبل أمّهات متعلّمات، من بين الحجج الأخرى التي حاولت المناصرات في البداية استرضاء الدستوريين عبرها، وبخاصة أولئك المعارضين لإنشاء مدارس البنات.
أحد معلّمات مدرسة “تعليم الفتيات” كتبت في مقالة نشرتها في صحيفة ايران نو/ إيران الجديدة، جاء فيها: لماذا ليس على البنات التعلّم ليكنّ شريكات في الغمّ والألم الحاصل للبلاد، وليعرفن ما يحصل لهذا البلد البائس؟ ليفهمن من هو عدو ترابهم ومائهم؟ ليعرفن ما الذي جرّته أيادي الغرباء على بلادهم؟ حين أرادت بعضهنّ الكلام، قال الشيوخ أنتِ في النهاية امرأة. ما لك وهذه الأشياء؟ يجب أن تفكّرن بالتدبير المنزلي… أنحن لسنا جيدات في شيء، باستثناء التدبير المنزلي؟ يا لهذا النسيان. فما الفرق بين النساء الإيرانيات والأوربيات سوى العلم؟”.
أولى مدارس تعليم البنات أنشئت على نفقات النساء المؤسِّسات الشخصية، وكان على الطلاب دفع رسوم شهرية، ومع ذلك فقد خصّصت هذه المدارس مقاعد كلها للطالبات الفقيرات، وتمّ توفير هذه التكلفة من قبل ناشطات حقوق المرأة.
إحياء البرامج الفنية وتخصيص عائداتها لتعليم البنات والنساء كانت إحدى طرائق تأمين هذه التكاليف، فعلى سبيل المثال، في ربيع عام 1910 أقيم عرض في منتزه أتابك وتم جمع 400 تومان لتأسيس مدرسة للبنات اليتيمات وصفّ لتعليم كبار السن، وعيادة نسائية، إضافة إلى ذلك، فمنذ عام 1910 أنشأت الجمعيات النسائية مدارس البنات المجانية للمعدَمات، وكانت توفّر لهن اللباس ولوازم الدراسة أحياناً.
وأخيراً، عام 1918 وبعد الضغوط والمطالبات من قبل الناشطات النسويات، تم إنشاء عشر مدارس بنات مجانيّة وتابعة للحكومة في طهران، ويمكن اعتبار إنشاء مدارس البنات وتعميم تعليم النساء، أكبر نجاح للناشطات في الحقبة الدستورية. إنّ النجاح الذي استمرّ للسنوات اللاحقة، أيضاً هو أحد الإنجازات القليلة للحركة النسوية، في ظلّ التغييرات، وبقيت كذلك في العقود اللاحقة.
الاحتجاجات الأولى ضد القوانين التمييزية للأسرة
وكانت الاعتراضات على بعض قوانين عدم المساواة للمرأة، مثل سهولة طلاق النساء من قبل أزواجهنّ، وتعدّد الزوجات، والزواج القسري، والزواج المبكر للمرأة، من الأصوات الأخرى التي كانت تُسمع من قبل المدافِعات عن حقوق المرأة خلال الحقبة الدستورية. في ذلك الوقت وكما تروي أفضل وزيري كان الرجال “يعدّون النساء مثل الرمل، يحبّون ويطلّقون، ولم تكن هناك قواعد، ولم يكن هناك حقّ للمرأة، ولا يأخذون رأيها بزواج أو طلاق”.
“تم بيعي مثل أسيرة وجارية مع المجوهرات والزخارف”
كانت أوجه عدم المساواة في الأسرة مشتركة بين جميع النساء، طبقة الأشراف النبلاء والمثقّفين والفقراء، وبنظرة خاطفة إلى حياة ناشطات الحركة النسويّة المعروفات ستجد أنّ كثيرات منهنّ وحتى تاج السلطنة نفسها الناشطة النسوية ابنة ناصر الدين شاه لم تكن استثناء؛ تاج السلطنة، التي أجبرت على الزواج مبكراً، تكتب شارحةً عن يوم خطبتها:
في هذه اللحظة حيث يكون قد مضى 22 سنة على ذلك التاريخ، أبدأ كتابة هذه النقطة من جديد، من دون أن أستطيع الحفاظ على نفسي من الارتجاف والغضب، أجبَر على ترك القلم في هذا الوقت، من دون جدوى تأخذني الآهات والعبرات وتستوطنني. في الواقع، يا لسوء الحظ أن يكون شخص ما كبيراً في العمر زوجاً لطفلة في سنّ الثامنة… في كلّ مرة كنت أفكّر في تلك المرأة وتلك الطفلة، يصيبني ألم في الرأس، رجفة أعصاب، وضغط قلبيّ، يجبرني أن أنفجر بالبكاء… ضعفي، إذ إنه تم بيعي مثل أسيرة وجارية مع المجوهرات والزخارف، بالطريقة ذاتها التي لم أر فيها هذا الزوج ولم أعتد عليه بعد.
كان الألم مشتركاً، وتحوّل مطلب تغيير قوانين الأسرة إلى مطلب طبقي، لذا فإنّ صدى الاعتراضات كان فقط من جانب النساء المتعلّمات والمثقّفات والطبقات العليا (بسبب تحصيلهنّ العلم وإمكان وصولهنّ إلى الصحف). بدأت الناشطات وبخاصة من الحقبة الدستورية الثانية من عام 1909 وحتى 1911 بالاحتجاج على تعدّد الزوجات وسهولة طلاق النساء من قبل الرجال، من خلال نشر المقالات المنتقدة في الصحف، إضافة إلى المطبوعات النسويّة، وبعض المطبوعات العامة مثل المقالات التي احتجّت على قوانين الأسرة وتجاهل حقوق المرأة في الأسرة.
هذه الاحتجاجات بالطبع لم تطاول الإسلام باعتباره أصل هذه القوانين، وكثيراً ما انتقدن رجال الدين والفقهاء باعتبارهم مروّجين ومساهمين في هذا التمييز. في الواقع خلال تلك الحقبة، فإنّ أشخاصاً مثل أفسانة نجم آبادي كنّ يقلن أيضاً: “لم يكن الإسلام في ذاته معادياً للمرأة”، وفي حين كانت القوى الدينية والمذهبية تعتقد أنّ مطالبات المرأة بتغيير قوانين الطلاق وتعدّد الزوجات تسعى إلى إلغاء القوانين الإلهية، استخدم المدافعون عن حقوق المرأة ذات المصادر الدينية لدعم مطالبات المرأة، ومع ذلك، وفي المرحلة ذاتها حاولت نساء انتقاد قمع المرأة من خلال استهداف التقاليد والأعراف، ومن الأمثلة على ذلك، كتابات عصمت مستوفي أشتياني، وهي امرأة بهائية كانت تنشر باسم مستعار “طايره”، ونشرت سلسلة مقالات تحت عنوان “لائحة السيدة العالِمة” في مطبوعة (إيران الجديد/ ايران نو) عام 1909.
الحجاب الإلزامي
كان الجدل حول مسألة (الحجاب) حامياً إبّان عهد رضا شاه، لكن التذمّر ومعارضة الحجاب كان قد بدأ في الحقبة الدستورية، ولم تكن معارضة الحجاب في تلك الحقبة تعني خلع الحجاب واختيار اللباس بحريّة في الأماكن العامة، لكن كانت تعني أن يتم التخفّف من الحجاب الذي كان يغطي الرأس واليدين وحتى أخمص القدمين والمكوث وعدم الخروج من المنزل.
في تلك الحقبة، كانت ملابس النساء عبارة عن عباءة/ جادور تغطي الرأس وحتى القدمين، ولم تكن تظهر سوى العينين من خلف النقاب، وتصف أفضل وزيري وضع المرأة في تلك السنوات بهذا الشكل: “إنّ النساء الإيرانيات على افتراض أنهنّ يعملن بأيديهنّ وأقدامهنّ، فإنّهن عندما يمررن من الزقاق يعملن بأسنانهنّ أيضاً. لماذا؟ لأنّ خلفها ثلاثة أطفال صغار، والنقاب على وجهها، وحاجياتها ومشترياتها تحت إبطها، طفل بين ذراعيها، وطفلان خلفها أيضاً، ويجب أن تحتفظ بحجابها؟ حجابها بين أصابعها وتضع بعضه بين فكّيها”.
“تحيا الثورة الدستورية، تحيا الحرية، لقد منحتنا الدستورية الحرية، ويجب أن نتحرّر من القيود الدينيّة، ونعيش كما نريد”
لأوّل مرة عام 1848 قامت طاهرة قرة العين إحدى قادة حركة “بابي” بنزع الحجاب عن وجهها أمام الملأ، لكن في السنوات التي أعقبت الدستورية، حين حصلت نساء على التعليم، إضافة إلى معارضتهنّ النقاب وكتابة المقالات المعارضة للحجاب، فقد كنّ يهيئن الفضاء العام لتغيير ملابس النساء، وفي الحقبة ذاتها، كانت نساء من قبيل عصمت مستوفي آشتياني، وبخطى أكثر راديكالية في مجتمعات خاصّة مثل الأصدقاء والأسرة قد نزعن الحجاب والنقاب، لم تكن مثل هذه الحركات علنيّة ولم تكن أمام الجمهور؛ ولكن كما تقول أفسانة نجم آبادي، كانت معاشرة النسوة المسلمات غير المسلمات وأنشطتهنّ السياسية والاجتماعية المشتركة، أحد المجالات التي تم فيها تحدّي قضية الحجاب.
كتبت آبادي: “على رغم أنّ النسوة غير المسلمات كنّ يتبعن قوانين الحجاب الإسلامي في الحياة العامة، إلا أنّ حجابهنّ كان أخفّ بكثير من المسلمات، وعلى وجه الخصوص، بدأت النساء البهائيات اللواتي كنّ يترددن على أسر المسلمين، يتواصلن ويخالطن الرجال، ويخرجن من المنزل من دون نقاب، وكان يغلب الظنّ أنّ النساء اللواتي كنّ مؤسِّسات في جمعيات المرأة في الحقبة الدستورية، قد تأثرن أو وقعن تحت تأثير النساء البابيات أو البهائيات ويمِلن إلى خلع الحجاب والكشف عنه”.
وبالطبع يلاحَظ أنّه وفي السنوات الأولى بعد الثورة الدستورية، ركّزت الناشطات على إنشاء مدارس البنات وتأسيسها، لذا لم يخضن البحث في قضيّة الحجاب، لما كان لهذا النقاش أن يضيّق من مساحة تعليم البنات، ومع ذلك كانت (الفاحشة والسفور) من أولى الاتهامات التي انتشرت وتم توجيهها إلى مدارس تعليم البنات والناشطات النسويّات. كان السفور يعني في تلك الحقبة إزالة النقاب وترك الجادور وغطاء الرأس، وكان هناك اتهام بأنّ المجتمع التقليدي والمحافظ في تلك الأيام أظهر ردّ فعل كبيراً حيالهنّ، فضلاً عن أنّ الكثير من الدستوريين كانوا خائفين من دعمهنّ.
على سبيل المثال، عندما خرجت مجموعة نساء في طهران عام 1907 إلى الشوارع بدون حجاب، وهنّ يرددن شعار (تحيا الثورة الدستورية، تحيا الحرية، لقد منحتنا الدستورية الحرية، ويجب أن نتحرّر من القيود الدينيّة، ونعيش كما نريد)، حيث أنكر الدستوريون صلتهم في كلّ مرة بهؤلاء النساء وأنهنّ “فاحشات” وأنهنّ مدفوعات إلى الشوارع من قبل المستبدّين والملالي المناصرين لهنّ ومناصري الدستوريّة الشرعية، وذلك بقصد تشويه سمعة الدستوريين واتّهامهم باللادينية.
كما أنّ البعض أعلن أنّ النساء رفعن شعارات الفحش وعرضت عليهنّ رشى من قبل الأمن في طهران وبغضّ النظر عن صحة الهوية المنسوبة لهؤلاء النسوة، كما أكّدتها المؤرخة منكل بيات أيضاً، فإنّ المجتمع الإيراني في ذلك الوقت لم يكن مستعداً لمثل هذه التغييرات “الراديكالية” ولم يكن هذا التجمّع الوحيد ضدّ الحجاب.
في كتابه بعنوان “النساء الإيرانيات ومسيرتهنّ” يقول كاليور رايس، تحصّنت مئات النساء في مسجد بطهران هو مثال على سعي النساء إلى خلع الحجاب، ووفقاً لـ”رايس”، فإنّ النسوة المعتصمات كنّ قد أعلنّ أنهنّ لن يخرجن حتى يتمكنّ من الخروج من المسجد من دون حجاب، لكنهنّ لم ينجحن في مساعيهنّ، إذ إنهنّ خرجن أخيراً بالحجاب والنقاب اللذين دخلن بهما المسجد.
هذا الاعتصام وبحسب تخمينات إليز ساناساريان كان بعد الحرب العالمية الأولى، عام 1918 تقريباً، وإضافة إلى هذه التجمّعات والاحتجاجات التي لا نعرف بالضبط هويّة المنظّمين والمشاركين فيها على وجه الدقة، كانت هناك ناشطات معروفات ومدافعات عن حقوق المرأة ومعارضات للحجاب، ودفعن ثمن جرأتهنّ بالتهديد والنفي ووقف أنشطتهنّ.
فخر آفاق بارسا مديرة مجلة (جهان زن/ عالم المرأة) كانت إحدى الناشطات اللواتي تعرّضن للنفي من مدينة مشهد إلى طهران وتعرّض منزلها لهجوم من قبل الأوباش والبلطجية، بسبب افتتاحية المجلة التي يتعلّق جزء منها بخلع الحجاب، حيث كتبت “المرأة لا تزال غير قادرة على تملّك الحقّ في اختيار لباسها الخاص… فهي إذاً لا تزال محرومة من تنفّس الهواء النقي والحرية”.
هُدّدت صديقة دولت آبادي، صاحبة الامتياز لمجلة (زبان زنان/ لسان حال المرأة) بالموت بسبب كتابتها عن خلع الحجاب، ومطبوعة (نامه ى بانوان/ رسالة السيّدات) برئاسة تحرير شهناز آزاد، تم توقيفها بسبب هذه المطالبة، “الحجاب من خرافات وتهويمات التقاليد، ويقف عائقاً أمام آفاق المرأة والرجل في هذا البلد”.
وبوجود هذه الضغوط، استمرّت كثيرات من النسويّات الإيرانيات اللواتي كنّ أقليّة في ذلك الوقت بالنسبة إلى المجتمع الإيراني وحتى بالنسبة إلى الدستوريين والناشطات النساء، في العمل على خلع الحجاب. محاضرات محترم اسكندري المؤسِّسة الأصلية لـ”جمعية نسوان وطن خواه/ جمعية النساء الوطنيات” كانت ضدّ الحجاب وشدّدت على ضرورة خلعه، (والتي كانت على الأرجح هنا محجّبة) من قبل در المعالي العضو في (انجمن مخدرات وطن/ جمعية المحافظات الوطنيات) بعد قصف المجلس في أيار/ مايو 1908.
من الأمثلة على إصرار النساء اللواتي عارضن الحجاب لتلبية مطالبهنّ، شهناز آزاد عام 1923 مع زوجها أبو القاسم آزاد أسّسا (مجمع كشف الحجاب/ جمعية خلع الحجاب) من أجل السعي إلى الحقّ في خلع الحجاب في الأماكن العامة، لكن هذه الجمعية أغلِقت وسجن أبو القاسم آزاد لأجل ذلك ونفي كذلك. وكان دعم حركة الرجال العصريين ضدّ الحجاب إحدى محاولات الناشطات الأخرى، وكان استقبال درة المعالي ونديم ملوك الدولة مدراء مدارس البنات عندما عاد إيرج ميرزا 1924 إلى طهران بسبب قصائده المتعلّقة برفع الحجاب وحرية المرأة، وإهدائه مزهرية ومنفضة سيكار من الفضة تعبيراً على هذا الدعم.
كاستمرار لهذه المحاولات وفي أوائل العقد الأول من عام 1921 وفي بعض الأماكن وبخاصة شمال طهران، خرجت بعض النسوة من دون حجاب، وعام 1925 سارت بعض النسوة من دون جادور ولا عباءات طويلة وفضفاضة في الشارع. لم تفضِ هذه المساعي في الحقبة الدستورية إلى إيجاد فضاء عام للنساء السافرات في الأماكن العامة، بل تبيّن بشكل واضح أنّ معارضة الحجاب الذي يفرضه القانون والمجتمع كان أحد مطالب النسويات الإيرانيات منذ الحقبة الدستورية.
الاعتراض على حقّ المرأة في التصويت
“نحن متأسّفات جداً لأنّ إخواننا في انتخابات البرلمان والمجالس الإقليمية والمقاطعات لم يمنحونا حقّ التصويت فيها، ولم يشركونا فيها ووضعونا مع فئة القتلة والمجانين والمفلسين”
منذ صادق الدستوريون على “التعديلات الدستورية” في جلسة البرلمان الأولى في أيلول/ سبتمبر 1907، حُرمت النساء من حقّ التصويت والانتخاب، حيث تم وضعهنّ في فئة المجانين والمجرمين والأطفال، وبدأت همسات حول الاعتراض على حرمان النساء من التصويت، وفي الجولة الأولى من البرلمان، كانت هذه الاعتراضات فقط من طريق بعض المقالات التي نشرها الرجال والنساء تعبيراً عن اعتراضهم على عدم منح المرأة الحق في التصويت في الصحف، لكن في الجولة الثانية عام 1911 ظهرت هذه الاعتراضات في قبّة البرلمان، ودعا محمد تقي وكيل الرعايا ممثّل همذان في المجلس صراحة إلى منح حقّ التصويت للمرأة، وواجه مطلب وكيل الرعايا معارضةً شديدة في البرلمان من قبل معظم البرلمانيين، ولم يأت بأي نتيجة، لكنّ عدداً قليلاً من الناشطات ثابرن على الحصول على حقّ التصويت للمرأة.
كانت صديقة دولت آبادي من أوائل اللواتي اعترضن على حرمان المرأة من التصويت في محاضراتها في المجالس الاجتماعية وفي المقالات التي نشرتها في المجلات النسائية. كتبت مقالاً بتاريخ 18 نيسان/ أبريل 1920: (نحن متأسّفات جداً لأنّ إخواننا في انتخابات البرلمان والمجالس الإقليمية والمقاطعات لم يمنحونا حقّ التصويت فيها، ولم يشركونا فيها ووضعونا مع فئة القتلة والمجانين والمفلسين. إذا نظروا بدقّة سيذهب بهم الظن إلى تصديق أنّنا نحن النساء بلا حقّ، ليس لنا حق أبداً، ولن يتم اختيارنا كإخواننا الذين لهم الحق في البرلمان وغيره، من مستبدّين وملّاكي أراضي… لأجل تقدّم الشعب الكادح والعمّال وسعادتهم وتقدّم الحرية”.
كما دعت مجلة “شكوفه” أثناء الدورة الانتخابية الثالثة للبرلمان إلى المشاركة السياسيّة للمرأة بأيّ شكل، ونشرت أسماء 12 مرشحة خاصة بها وطلبت من الرجال التصويت لهنّ، وأدى إقدام المجلة على هذه الخطوة إلى توقيفها بشكل موقت، لكن مساعي النساء إلى دخول الساحة السياسية استمرّت، كما قامت الناشطات بترجمة انتصارات نساء أوروبا وأميركا في الحصول على حقّ التصويت ونشرها، وكتبت تاج السلطنة في مذكراتها، حيث كانت تتبّع أخبار نجاحاتهنّ: “النساء الإيرانيات… ينظرن إلى المستقبل البعيد، ويستمعن ويقرأن في الصحف عن مدى الجدية في مطالبات النساء في أوروبا بحقوقهنّ بها… إنهنّ يردن الحقّ في الانتخاب والحقّ في التدخّل في الأمور السياسية وشؤون الدولة، وقد نجحن في ذلك، في أميركا تم تثبيت هذه الحقوق بالكامل، والعمل بها بشكل جاد، وكذلك الأمر في باريس ولندن”.
كانت مطالبات مجموعة النسويات الإيرانيات للحصول على حقّ التصويت متزامناً مع ذروة حركات النسوية وحقّ التصويت في أميركا 1920 وبريطانيا 1918، وليس في إيران فحسب، ولكن أيضاً في العالم كمطالبات تقدّمية وأحياناً تعتبر كمطالبات راديكالية. لذلك، في حين تم قمع مطالبات من قبيل تعليم البنات بشدّة، لم تكن المطالبة بحقّ التصويت أولويّة للنساء، وأمّا الاعتراضات والاحتجاجات لكسب حقّ التصويت، فقد أثمرت بعد سنوات وعلى نحو فعّال في الجيل التالي من المدافعات عن حقّ المرأة في إيران.
إنجازات المرأة المتحقّقة خلال الحقبة الدستورية
على رغم أنّ الحركة النسائية في الحقبة الدستورية لم تحقّق أياً من مطالبها سوى تعميم تعليم المرأة، فإنّ الجيل الأول من النسويّات الإيرانيات نجح في إطلاق المطبوعات وتأسيس الجمعيات النسائية، كأهمّ مقوّمين أساسيين للحراك النسائي، وطرح مطالبات عامة عن المساواة وبناء قاعدة لفاعليات هذه الحركة في المستقبل، فالحراك الضعيف وضعف النساء في الحقبة الدستورية، قوبلا بالبنية الأبوية وغير المتساوية للمجتمع والأسرة، لذا أعلن بصراحة أنّه يجب أن يتغيّر وضع المرأة الهامشي في إيران، وإكمال الطريق كما عهده الجيل التالي.
ترجمها عن الفارسية: عباس علي موسى
الموضوع تمّت ترجمته عن موقع آسو ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا الرابط التالي
نُشرت الدراسة في موقع درج ميديا، لقراءة المادة على الموقع اضغط الرابط