الزفنكي: أطفأ نور عينيه ليُشرع بابًا على عوالم الجزري
قريبا سيتم نشر الكتاب ذائع الصيت “العقد الجوهري” في شرح ديوان الجزري، للعلامة محمد بن الملا أحمد الزفنكي، والتي هي شرح ديوان شاعر الكرد الكبير الملا الجزري.
الديوان سيطبع بجهود مشتركة من قبل منشورات نقش ودار نشر شلير بمدينة قامشلي، وسيكون متاحا أمام القرّاء في معرض الشهيد هركول الذي سيقام في الشهر التاسع بمدينة قامشلي.
يجدر بالذكر أنّ الكاتب عباس علي موسى قد قدّم الكتاب بمقالٍ حول مجهود الزفنكي الاستثنائي في ترجمة وشرح الديوان إلى العربي قبل أكثر من نصف قرن، وطبعه للمرة الأولى في نهاية الخمسينيات في مدينة قامشلي.
المقدّمة بعنوان (الزفنكي: أطفأ نور عينيه ليُشرع بابًا على عوالم الجزري)، وهنا نورد جزءا من المقدّمة على أن يتم نشرها بالكامل عند نشر الكتاب:
الزفنكي: أطفأ نور عينيه ليُشرع بابًا على عوالم الجزري
لعلّ أهمّ ما في سيرة الملا أحمد الزفَنْكي هو أثره الباقي (العقد الجوهري) الذي يعدّ بحقّ من أهم الشروحات، بل والترجمات التي تم تقديمها لديوان الملا الجزري، وفضلا عن أهميّة ما قدّمه العقد الجوهري فهو يعدّ بمنزلة سِفرٍ أطلّ به العامة على منتوج الجزري، كما أطلّ بها قرّاء العربية إلى هذا الأثر/ الديوان.
إنّ ديوان الجزري يعدّ من أحد أهمّ الدواوين في الشعر الكردي، ويستحقّ أن يُسمّى بالديوان بإطلاق الاسم، لما له من أسبقية في النسج والشعر باللغة الكردية وهو أعظم أثر مدوّن وصلنا من الكُرمانجية الكُردية شعرا، في زمن كانت لغة الأدب شعرا ونثرا هي لغة البلاطات العربية والفارسية وغيرها، ولأنّ ديوان الجزري هو تجربة صوفية صرفة فلم يكن مُتاحا إلا بين أيدي الملالي وشيوخ الطرق الصوفية والخاصّة، فكانوا ينسخون الديوان من يد ليد وبفضلهم وصل الديوان إلينا أخيرا، حتى وإن شابه الكثير من التصحيف والأخطاء لكنه ديدن النسخ من عالِم لآخر ومن ملّا لآخر، حيث تستشكل العبارات والأحرف ورسمها في كلّ مرة، وكان للتأويل الذي يُمايز الشعر الصوفي دوما ويجعله حمّال أوجُه، دورٌ في حمل الكلمات من رسمٍ لآخر، يخرج بها أحيانا الكلام عن الأصل، أو كما يقول الزفنكي في تقديمه لـ عقده الجوهري (لعب فيه كلّ من حصل على نسخة منه تشطيبا وتبديلا وتنقيطا وتحويلا كل حسب معرفته وعلمه ومقدرته وفهمه حتى نسخت أماراته ومسخت إشاراته وصار جملة من الطلاسم).
لذا كان دور الزفنكي حاسما من شرح الديوان وترجمته ونقله من ديوان خاص بأهل العلم والتصوّف لديوان للعامة يفهمها ويعيها من يقرأها. إذ كان الملالي وشيوخ الطرق الصوفية في جلّهم متقنين للعربية إضافة إلى اتقان الكثيرين منهم للفارسية والتركية، وهذا ما جعل من الديوان مقتصرا في فهمه وتداوله فيما بينهم، كما أنّ الزفنكي أسهم في شرحه وترجمته في العودة بالكلمات إلى أصولها وسياقاتها وعرّف القارئ إلى مخفّفها ومنقوصها، إضافة إلى تقديم لغة عربية هي ما بين الجزالة والفصاحة والبداهة والوضوح، فكان آية بيّنة واضحة ذات بلاغة لا يستصعبها القارئ حتى وإن لم ينل نصيبا من معرفة بمكامن اللغة البعيدة الغائرة.